كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


457 - ‏(‏إذا اضطجعت‏)‏ أي وضعت جنبك على الأرض ‏(‏فقل‏)‏ ندباً ‏(‏بسم الله‏)‏ أي أضع جنبي والباء للمصاحبة أو للملابسة ويظهر أن الأكمل كمال التسمية ‏(‏أعوذ‏)‏ أي أعتصم ‏(‏بكلمات الله‏)‏ كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم ‏(‏التامة‏)‏ الخالية عن التناقض والاختلاف ‏(‏من غضبه‏)‏ سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ‏(‏وعقابه‏)‏ عقوبته ‏(‏ومن شر عباده‏)‏ من أهل الأرض وغيرهم ‏(‏ومن همزات الشياطين‏)‏ نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين ‏(‏وأن يحضرون‏)‏ أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ والذكر عند النوم، قال بعضهم‏:‏ ومن فوائد هذه الاستعاذة أن المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى ‏{‏وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين‏}‏ الآية‏.‏

- ‏(‏أبو نصر‏)‏ محمد بن إسحاق ‏(‏السجزي‏)‏ بكسر المهملة أوله ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الإبانة‏)‏ عن أصول الديانة ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص وهو كما في الأصل من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏

458 - ‏(‏إذا أطال أحدكم الغيبة‏)‏ في سفر أو غيره ومن قيد بالسفر فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل اللغة الآتي على الأثر ومرجع الطول العرف ‏(‏فلا يطرق‏)‏ بفتح أوله وفي رواية للشيخين فلا يطرقن ‏(‏أهله‏)‏ أي لا يفجأ حلائله بالقدوم عليهم بالليل لتفويت التأهب عليهم‏.‏ والطروق المجيء بالليل من سفر أو غيره من الطرق وهو الدق سمى الآتي بالليل طارقاً لحاجته إلى دق الباب، قالوا‏:‏ ولا يقال في النهار إلا مجازاً فقوله ‏(‏ليلاً‏)‏ للتأكيد دفعاً لمجاز استعمال الطرق في النهار ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر كنا في غزوة فلما قفلنا ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة لأن الأمر بالدخول ليلاً لمن علم أهله بقدومه فاستعدوا، والنهي لمن فاجأ قبل ذلك، وأفهم تقييده بالطول أنه لو قرب سفره بحيث تتوقع حليلته إتيانه فتتأهب أنه لا يكره‏.‏ وبه جزم جمع منهم الطيبي وجرى عليه ابن حجر حيث قال‏:‏ التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فلما كان الذي يخرج لحاجة مثلاً نهاراً ويرجع ليلاً لا يتأدى به له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة لم يكن مثله أهـ‏.‏ فقول الزين زكريا‏:‏ الطول ليس بقيد غير جيد كيف والحديث مصرح به والعلة تقتضيه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وكذا لو كان في قفل أو عسكر عظيم واشتهر قدومهم تلك الليلة لزوال العلة المقتضية للكراهة وهي عدم تأهب حليلته ‏[‏ص 289‏]‏ فيعافها وقول ابن حجر‏:‏ أو يجدها على حالة غير مرضية والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي إذ على الإنسان شرعاً وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها ولا يقول عاقل فضلاً عن عالم فاضل أن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته وإهمال النظر في دواخل أحوالهم ليتمكنوا من فعل ماشاؤوا من ضروب الفساد ويستمر ذلك مستوراً عليه واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب فإنه إن رأى ريبة كتمها وفارق أهله أو أدب سراً وحسم طريق الفساد‏.‏

- ‏(‏حم ق عن جابر‏)‏ ورواه عنه أيضاً أبو داود والنسائي وغيرهما‏.‏

459 - ‏(‏إذا اطمأن الرجل إلى الرجل‏)‏ أي سكن قلبه بتأمينه له وذكر الرجل غالبي فالمرأة كذلك ‏(‏ثم قتله بعد ما اطمأن إليه‏)‏ بغير مقتض والمراد أنه أمنه ثم غدره ‏(‏نصب‏)‏ أي رفع ‏(‏له‏)‏ بالبناء للمفعول لتذهب النفس كل مذهب تهويلاً للأمر وتفخيماً للشأن ‏(‏يوم القيامة‏)‏ خصه وإن كان قد يعاقب في الدنيا لأن ما يسوء إذا ظهر في جمع كان أوجع للقلب وأعظم تنكيلاً ‏(‏لواء‏)‏ بمد وكسر أي علم ‏(‏غدر‏)‏ يعرف به في ذلك الموقف الأعظم تشهيراً له بالغدر على رؤوس الأشهاد فلما كان إنما يقع مكتوماً مستوراً اشتهر صاحبه بكشف ستره لتتم فضيحته وتشيع عقوبته وذكر في رواية أخرى أن ذلك اللواء ينصب عند أسته مبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته وعلى هذا فاللواء حقيقي وقيل هو استعارة قال بعضهم والمشهور أن هذا الغدر والقتل والحروب من نقض عهد وأمان

- ‏(‏ك عن عمرو بن الحمق‏)‏ بفتح المهملة وكسر الميم ثم قاف ابن كاهل ويقال كاهن الخزاعي هاجر للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية ثم سكن مصر ثم الكوفة وهو ممن ثار على عثمان وأحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار‏.‏

460 - ‏(‏إذا أعطى الله أحدكم خيراً‏)‏ أي مالاً ‏(‏فليبدأ‏)‏ وجوباً ‏(‏بنفسه‏)‏ أي بالإنفاق منه على نفسه لأنه المنعم عليه به ‏(‏وأهل بيته‏)‏ يعني من يلزمه مؤنتهم فإن ضاق قدم نفسه كما مر والخير المال أو الكثير أو الطيب قال الراغب‏:‏ سمي خيراً إشارة إلى أن المال الذي يحسن الإنفاق منه ما جمع من وجه محمود‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ مطولاً ‏(‏م‏)‏ في المغازي من حديث طويل ‏(‏عن جابر بن سمرة‏)‏ رضي الله عنه بفتح السين وضم الميم وقد تسكن له ولأبيه صحبة ولم يذكر البخاري هذه القضية التي اقتصر عليها المؤلف‏.‏

461 - ‏(‏إذا أعطي أحدكم الريحان‏)‏ هو كما في المفردات ما له رائحة طيبة وفي المصباح كل نبت مشموم طيب الريح لكنه إذا أطلق عند العامة يراد به نبات مخصوص والمراد به هنا التعميم ‏(‏فلا يرده‏)‏ بضم الدال على الأفصح الأبلغ لأن الخبر من الشارع آكد في النهي من النهي صريحاً ندباً فإن قبوله محبوب ‏(‏فإنه خرج من الجنة‏)‏ أي كأنه خرج منها فهو على التشبيه فإن ريحان الجنة لا يتغير ولا ينقطع ريحه ويمكن إجراؤه على ظاهره ويدعى سلب خاصيته ويجئ في خبر أنه ليس في الدنيا شيء يشبه ما في الجنة إلا في الاسم ويحتمل أن يراد بالجنة ما التف من الشجر أي أنه خارج من الأشجار الملتفة فلا مؤنة في بذله ولا منة في قبوله‏.‏

- ‏(‏د في مراسيله ت‏)‏ في الاستئذان من حديث حنان بحاء مهملة ونونين ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ عبد الرحمن بن ملّ بتثليث الميم وشد اللام ابن عمرو بن عدي ‏(‏النهدي‏)‏ بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة مخضرم عابد من كبار التابعين ‏(‏مرسلاً‏)‏ وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف حنان إلا في هذا الحديث وأبو عثمان أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فمن ثم عد حديثه في المراسيل‏.‏

‏[‏ص 290‏]‏ 462 - ‏(‏إذا أعطيت‏)‏ بضم الهمزة بضبط المؤلف ‏(‏شيئاً‏)‏ من جنس المال ‏(‏من غير أن تسأل‏)‏ فيه ‏(‏فكل‏)‏ منه أي اقبله وانتفع به في مؤنتك ومؤنة أهلك وغير ذلك وإن كان من السلطان إن لم يغلب الحرام فيما في يده، والحاصل أنه إن علم حرمة المال حرم قبوله أو حله جاز وكذا إن شك لكن الورع تركه وعبر بالأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع ‏(‏وتصدق‏)‏ منه، بين به أن شرط قبول المبذول كونه حلالاً لأن الصدقة لا تكون صدقة متقبلة إلا منه فشرط قبول المبذول علم حله كما تقرر أي باعتبار الظاهر، والحاصل أنه عند الجهل لا يلزم البحث عن الأصول فقد وقع للشاذلي وهو إمام في الروع أنه جاع وصحبه أياماً فبعث لهم بعض عدول الاسكندرية بطعام فمنع الشيخ جماعته منه فطووا فلما أصبح قال كلوه قيل لي الليلة أحل الحلال ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحداً من نساء أو رجال وقال ياقوت عزم عليّ إنسان وقدم لي طعاماً فرأيت عليه ظلمة كالمكبة فقلت هذا حرام ولم آكل فدخلت على المرسي فقال من جهلة المريدين من يقدم له طعام فيرى عليه ظلمة فيقول هذا حرام يا مسكين ما يساوي ورعك بسوء ظنك بأخيك المسلم هلا قلت هذا طعام لم يردني الله به‏.‏

- ‏(‏م دن عن عمر‏)‏ بن الخطاب قال استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمالة فأديتها فأمر لي بعمالتي فقلت إنما عملت لله فذكره وفيه جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو دنيا كقضاء وحسبة لكن بشروط‏.‏

463 - ‏(‏إذا أعطيتم الزكاة‏)‏ المالية أو البدنية فلا ‏(‏تنسوا ثوابها‏)‏ أي لا تتركوا السبب في حصوله وذلك ‏(‏أن تقولوا‏)‏ أي تدعوا بنحو ‏(‏اللهم اجعلها مغنماً‏)‏ أي قولكم ذلك من أسباب قبولها وحصول ثوابها فلا تتركوه، والمراد يسر لي الفوز بثوابها، وأصل المغنم والغنائم ما أصيب من مال الحرب والنسيان مشترك بين ترك الشيء على ذهول وغفلة وتركه على تعمد وهو المراد هنا ومنه ‏{‏ولا تنسوا الفضل بينكم‏}‏ أي تقصدوا الترك والإهمال ‏(‏ولا تجعلها مغرماً‏)‏ مصدر ميمي من الغرامة أي لا تجعلني أرى إخراجها غرامة أغرمها ويسن أن يقول مع ذلك ‏{‏ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‏}‏ وهذا التقرير كله بناء على أن أعطيتم مبني للفاعل كما جرى عليه بعضهم وزعم أنه الرواية ويجوز بناؤه للمفعول أي إذا أعطيتم يعني أيها المستحقون الزكاة فلا تتركوا مكافأة المزكي على إحسانه بأن تقولوا اللهم اجعلها له مغنماً ولا تجعلها عليه مغرماً وفيه أنه يندب قول ذلك وإن لم يذكروه لأنه من الفضائل وقد دخل تحت أصل كلي وهو طلب الدعاء له والحديث ليس بشديد الضعف كما وهم‏.‏

- ‏(‏ه ع عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه قال في الأصل وضعف وذلك لأن فيه سويد ين سعيد قال أحمد متروك‏.‏

464 - ‏(‏إذا أفطر أحدكم‏)‏ أي دخل وقت فطره من صومه ‏(‏فليفطر‏)‏ ندباً ‏(‏على تمر‏)‏ أي بتمر والأفضل سبع والأولى من رطب فعجوة لخبر الترمذي كان يفطر على رطبات فإن لم يكن فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء ولم ينص على الرطب هنا لقصر زمنه ‏(‏فإنه بركة‏)‏ أي فإن الإفطار عليه ثواباً كثيراً فالأمر به شرعي وفيه شوب إرشاد لأن الصوم ينقص البصر ويفرقه والتمر يجمعه ويرد الذاهب لخاصية فيه ولأن التمر إن وصل إلى المعدة وهي خالية أغذى وإلا أخرج بقايا الطعام ‏(‏فإن لم يجد تمراً‏)‏ يعني لم يتيسر ‏(‏فليفطر على الماء‏)‏ القراح ‏(‏فإنه طهور‏)‏ بالفتح مطهر محصل للمقصود مزيل للوصال الممنوع ومن ثم منّ الله به على عباده بقوله تعالى ‏{‏وأنزلنا من السماء ماء ‏[‏ص 291‏]‏ طهوراً‏}‏ وبما تقرر علم وجه حكمة تخصيص التمر دون غيره مما في معناه من نحو تين وزبيب وأنه لا يقوم غيره مقامه عند تيسره فزعم أن القصد منه أن لا يدخل جوفه إلا حلوا لم تمسه النار في حيز المنع وورد الفطر على اللبن لكن سنده ساقط فيقدم الماء عليه لهذا الحديث‏.‏

- ‏(‏حم 4 وابن خزيمة حب‏)‏ كلهم في الصوم ‏(‏عن سلمان‏)‏ بفتح فسكون ‏(‏ابن عامر‏)‏ بن أوس ‏(‏الضبي‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الموحدة صحابي سكن البصرة وبها مات‏.‏ قال مسلم‏:‏ ليس في الصحب ضبي غيره واعترض قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

465 - ‏(‏إذا أقبل الليل‏)‏ يعني ظلمته ‏(‏من ههنا‏)‏ أي من جهة المشرق إذ الظلمة تبدو منه ‏(‏وأدبر النهار‏)‏ أي ضوؤه ‏(‏من ههنا‏)‏ من جهة المغرب وزاد ‏(‏وغربت الشمس‏)‏ مع أن ما قبله كاف إيماء إلى اشتراط تحقق كمال الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة الغروب لا غيره فالأمور الثلاثة وإن كانت متلازمة لكن قد يعرض لبعضها انفكاك فيظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة كأن يكون بمحل لا يشهد غروبها كواد فيعتمد إقبال الظلام أو إدبار الضياء فلذلك جمع بينهما ‏(‏فقد أفطر الصائم‏)‏ أي انقضى صومه أو تم شرعاً أو أفطر حكماً بدليل الاحتياج لنية الصوم للغد وإن واصل لأنه صار مفطراً حقيقة كما قيل فمن حلف لا يفطر على حار ولا بارد لا يفطر بدخول الليل على الأصح والحكم بفطره بدخوله لكونه غير حار ولا بارد غير قويم إذ هو تعلق لفظي غير مقصود للحالف ومبنى الأيمان على المقاصد العرفية وفيه رد على المواصلين‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ويمكن حمل الأخبار على الإنشاء إظهاراً للحرص على وقوع المأمور به أي إذا أقبل الليل فليفطر الصائم ولأن الخبرية منوطة بتعجيل الإفطار فكأنه حصل وهو مخبر عنه، وأل في الصائم للجنس‏.‏

- ‏(‏ق د ت عن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي الله عنه وله سبب مشهور وظاهر صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الأربعة إلا ذين ولا كذلك بل رواه كما قال المناوي الكل إلا ابن ماجه‏.‏

466 - ‏(‏إذا اقترب‏)‏ افتعل من القرب وروي تقارب ‏(‏الزمان‏)‏ أي دنت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتن فكان الناس على مثل الفطرة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين قال القاضي اقتراب الزمان دنو الساعة إذ الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ومن ثم قيل للقصير متقارب ويقال تقاربت الإبل إذا قلت أو أراد استواء الليل والنهار عند انطباق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع فلا يكون في المنام أضغاث أحلام فإن من موجبات التخليط فيها غلبة بعض الأخلاط على بعض ومن ثم قال المعبرون أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وإدراك الثمار واستواء الليل والنهار وعند ذلك تصح الأمزجة وتصح الحواس أو أراد بتقارب الزمان حين تكون السنة كشهر للهنا وبلوغ المنى وبسط العدل زمن المهدي وذلك زمن يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه ذكره الزمخشري قال ويعضد الأول قوله ‏(‏لم تكد رؤيا الرجل المسلم‏)‏ في منامه ‏(‏تكذب‏)‏ أي لا تكون إلا صادقة لأن المغيبات تنكشف حينئذ والخوارق تظهر ولأن أكثر العلم يقبض بقبض العلماء وتندرس معالم الدين فيكون في الرؤيا الصادقة حينئذ بعض غنى ولو كان المراد بالاقتراب الاعتدال لما قيده بالمسلم وقيل المراد إذا اقترب أجل الإنسان بمشيبه فإن رؤياه قلما تكذب لصفاء باطنه ونزوع الشهوات عنه فنفسه حينئذ لمشاهدة الغيب أميل وقوله لم تكد رؤيا المسلم تكذب مبالغة في لم تكذب أي لم تقرب أن تكذب ‏[‏ص 292‏]‏ فضلاً عن أن تكذب ومنه قول ذي الرمة‏:‏

إذا غير الدهر المحبين لم يكد * رسيس الهوى من حب مية يبرح

أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح ذكره الزمخشري اختلف في خبر كاد المنفي والأظهر أنه يكون أيضاً منفياً لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه ويدل عليه قوله تعالى ‏{‏إذا أخرج يده لم يكد يراها‏}‏ قال القاضي‏:‏ وأول الأقوال هو الأصح لأنه جاء في رواية أخرى إذا كان آخر الزمان ‏(‏وأصدقهم‏)‏ أي المسلمون المدلول عليهم بلفظ المسلم ‏(‏رؤيا أصدقهم حديثاً‏)‏ أي قولاً ولفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه في نسخ صحيحة أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً وذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانشقت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة وظاهره أنه على إطلاقه وقيل يكون آخر الزمان عند ارتفاع العلم وموت الصلحاء فجعل جبراً وعوضاً والأول أظهر لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها ذكره النووي وقد قال بعض العارفين ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أصدق الناس كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فكان لا يحدث بحديث عن تزوير يزوره في نفسه بل يحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو كلها ما كان يقول ما لم يكن ولا ينطق في اليقظة عن شيء تصوره في الخيال ما لم ير لتلك الصورة عين في الحس‏.‏

- ‏(‏ق ه‏)‏ في الرؤيا ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

467 - ‏(‏إذا أقرض أحدكم أخاه‏)‏ في الدين ‏(‏قرضاً‏)‏ قال الطيبي‏:‏ اسم مصدر والمصدر حقيقة هو الإقراض قال ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض فيكون مفعولاً ثانياً لا قرض والأول مقدر ‏(‏فأهدى‏)‏ أي الأخ المقترض ‏(‏إليه‏)‏ أي إلى المقرض ‏(‏طبقاً‏)‏ محركاً ما يؤكل عليه أو فيه ويحتمل الحقيقة ويحتمل إرادة المظروف أي شيئاً في طبق ‏(‏فلا يقبله‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الضمير الفاعل في فأهدى عائد إلى المفعول المقدر والضمير في لا يقبله راجع إلى مصدر أهدى وقوله فأهدى عطف على الشرط ‏(‏أو حمله‏)‏ أي أراد حمله أو حمل متاعه ‏(‏على دابته فلا يركبها‏)‏ يعني لا ينتفع بها بركوب أو إركاب أو تحميل عليها ‏(‏إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك‏)‏ أي القرض، وهذا محمول على الورع لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اقترض بكراً ورد رباعياً وقال خيركم أحسنكم قضاء فيجوز بل يندب رد الزائد وللمقرض قبوله حيث لا شرط والورع تركه‏.‏

- ‏(‏ص ه هق عن أنس‏)‏ بن مالك رمز لحسنه‏.‏

468 - ‏(‏إذا اقشعّر‏)‏ بهمزة وصل وتشديد الراء ‏(‏جلد العبد‏)‏ أي أخذته قشعريرة أي رعدة ‏(‏من خشية الله‏)‏ أي خوفه‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ اقشعّر الجلد إذا انقبض قبضاً شديداً وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضموماً إليه حرف رابع وهو الراء ليكون رباعياً دالاً على معنى زائد يقال اقشعر جلده من الخوف وقف شعره وهو مثل في شدة الخوف قال الراغب‏:‏ والجلد قشر البدن ‏(‏تحاتت‏)‏ تساقطت وزالت ‏(‏عنه خطاياه‏)‏ أي ذنوبه ‏(‏كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها‏)‏ تشبيه تمثيلي لانتزاع أمور متوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب على الإنسان سبب كماله وإزالة الورق على الشجر سبب نقصانه قال الترمذي الحكيم والمراد بالعبد هنا عبد ممنون عليه بالتوحيد ونفسه شرهة أشرة بطرة شهوانية قاهرة له فأدركه اللطف فهاج منه خوف التوحيد فطلبت نفسه الملجأ من الله إليه فأخذته الخشية فارتعد وصار لا يعقل ما يقول من الرهب فانكشف له الغطاء فسترت تلك الخشية مساويه كلها ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن‏}‏ ‏[‏ص 293‏]‏ ولم يعبر بالخوف لأن الخشية أعلى فإن الفرق إذا هجم على القلب نفر عن مستقره نفاراً ربما قطع أفلاذ الكبد من شدة نفاره وانزعاجه عن محله والخوف دون ذلك وقال بعض العارفين هذا إشارة إلى أن الخشية والمرض ونحو ذلك إنما يحط أولاً صغائر الذنوب التي هي من شجرة المخالفة بمنزلة الورق من شجر الدنيا وشجرة المخالفة شجرة خبيثة أصلها الكفر وورقها صغائر الذنوب ونبتها من الأجساد والفروع والأغصان منازل فقد يعظم الارتكاب حتى يأخذ من الأغصان فيذهب بكثير منها وهكذا يترقى حتى قد يتحتت الأصل ‏(‏سمويه‏)‏ في فوائده

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا البزار والبيهقي في الشعب ‏(‏عن العباس‏)‏ بن عبد المطلب قال المنذري والعراقي سنده ضعيف وبينه الهيتمي فقال فيه أم كلثوم بنت العباس رضي الله عنها لم أعرفها وبقية رجاله ثقات‏.‏

469 - ‏(‏إذا أقل الرجل‏)‏ ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان ‏(‏الطعم‏)‏ بالضم أي جعل مأكله قليلاً لصوم أو غيره ومن زعم أنه أراد الصائم فحسب لم يصب ‏(‏ملء‏)‏ بالبناء للمفعول والفاعل هو الله ويمكن بناؤه للفاعل أي ملأ الرجل ‏(‏جوفه نوراً‏)‏ أي تسبب في ملء باطنه بالنور، أصل الجوف الخلاء ثم استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ فقيل جوف الدار لداخلها وباطنها فقلة الأكل محمودة شرعاً وطباً‏.‏ ومن فوائد الكلام ما دار على ألسنة الأنام‏:‏ من غرس الطعام جنى ثمرة السقام، ومن الأمثال‏:‏ كل قليلاً تعش طويلاً، ومنها أقلل طعاماً تحمد مناماً، ومنها كل قصداً لا تبغي فصداً، ومنها البطنة تذهب الفطنة، وحث الرجل آخر على الأكل من طعامه فقال عليكم تقريب الطعام وعلينا تأديب الأجسام وفي إفهامه أن كثرة الأكل تملؤه ظلمة فيكون فاعل ذلك حمالاً للطعام مضيعاً للأيام، قال الغزالي علمنا يقيناً بل رأينا عياناً أن العبادة لا يجيء منها شيء إذا امتلأ البطن وإن أكرهت النفس على ذلك وجاهدت بضروب الحيل فلا يكون لتلك العبادة لذة ولا حلاوة ولذا قيل لا تطمع بحلاوة العبادة مع كثرة الأكل‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه وفيه علان الكرخي قال الذهبي لعله واضع حديث طلب الحق غربة عن إبراهيم بن مهدي الأيلي قال الأزدي كان يضع على محمد بن إبراهيم بن العلاء قال الدارقطني كذاب‏.‏

470 - ‏(‏إذا أقيمت الصلاة‏)‏ أي شرع في إقامتها بدليل رواية ابن حبان إذا أخذ المؤذن في الإقامة ‏(‏فلا صلاة‏)‏ كاملة سالمة من الكراهة ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ فلا ينبغي إنشاء صلاة حينئذ غيرها أي المفروضة الحاضرة التي أقيم لها بدليل رواية أحمد إلا التي أقيمت وجعل بعضهم النفي بمعنى النهي أي فلا تصلوا حينئذ واختاره المؤلف فإنه سئل هل المراد هنا الكمال أو عدم الصحة فأجاب بأنه ليس المراد هذا ولا هذا لأن ذلك إنما يكون في النهي المراد به النفي على ظاهره والنفي هنا المراد به النهي أي لا تصلوا إلا المكتوبة وذلك لئلا يفوته فضل تحرمه مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة وما يناله من أجر الفعل لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه ولأنه يشبه المخالفة للجماعة وأما زيادة إلا ركعتي الفجر في خبر فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر فلا أصل لها كما بينه البيهقي وبفرضه حمل على الجواز قال في المطامح‏:‏ وهذه المسألة وقعت لأبي يوسف حين دخل المسجد النبوي والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام في الصبح فقال رجل عامي يا جاهل الذي فاتك من أجر فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك انتهى قال ابن الهمام‏:‏ وأشد ما يكون كراهة أن يصلي سنة أو غيرها عند إقامة المكتوبة مخالطاً للصف كما يفعله كثير من الجهلة‏.‏

- ‏(‏م 4 عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏

‏[‏ص 294‏]‏ 471 - ‏(‏إذا أقيمت الصلاة‏)‏ أي إذا نادى المؤذن بالإقامة فأقيم المسبب مقام السبب ذكره الطيبي‏.‏ ونبه بالإقامة على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعياً حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة أولى ‏(‏فلا تأتوها وأنتم تسعون‏)‏ تهرولون وإن خفتم فوت التكبير أو التبكير فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والخضوع فالقصد من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئاً والنهي للكراهة وأما قوله تعالى ‏{‏فاسعوا إلى ذكر الله‏}‏ فليس المراد به الاسراع بل الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وقوله وأنتم تسعون حال من ضمير الفاعل وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا وذلك لأنه مناف لما هو أولى به من الوقار والأدب ثم عقبه بما ينبه على حسن الأدب بقوله ‏(‏وائتوها‏)‏ في رواية ولكن ائتوها ‏(‏وأنتم تمشون‏)‏ بهينة لقوله تعالى ‏{‏وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً‏}‏ ثم ذيل المفهومين بقوله ‏(‏وعليكم السكينة‏)‏ أي الزموا السكينة في جميع أموركم سيما في الوفود على رب العزة فالزموا الوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات والعبث‏.‏ والسكينة فعيلة من السكون وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد، نعم فرق بعض الأعاظم بينهما بأن السكينة التأني في الحركات والوقار التأني في الهيئة وخفض الصوت وفي رواية للبخاري بالسكينة واعترض بتعديه بنفسه في عليكم أنفسكم ومنعه الرضي بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال التي بمعناها لكن كثيراً ما تزاد الباء في مدخولها نحو عليك به لضعفها عن العمل ‏(‏فما‏)‏ أي فإذا فعلتم ما أمرتم به من السكينة فما ‏(‏أدركتم‏)‏ مع الإمام من الصلاة ‏(‏فصلوا‏)‏ معه ‏(‏وما فاتكم‏)‏ منها ‏(‏فأتموا‏)‏ وقد حصلت لكم فضيلة الجماعة بالجزء المدرك وإن قلّ فقوله فأتموا أي فأكملوه وحدكم وفي رواية بدل فأتموا فاقضوا واستدل به الحنفية على أن ما أدركه المسبوق آخر صلاته فيجهر في الركعتين الأخيرتين ويقرأ السورة مع الفاتحة وبالأول الشافعية على أنه أولها فلا يجهر لكن يقضي السورة لأن الإتمام يستلزم سبق أول وأجابوا بأن القضاء يرد بمعنى الأداء فيحمل عليه جمعاً بينهما ولهذا قال في تنقيح التحقيق‏:‏ الصواب لا فرق بين اللفظين لأن القضاء هو الإتمام في عرف الشرع ‏{‏فإذا قضيتم مناسككم‏}‏ ‏{‏فإذا قضيتم الصلاة‏}‏ وفيه أنه يندب لقاصد الجماعة المشي إليها بسكينة ووقار وإن خاف فوت التحريم وأن لا يعبث في طريقه إليها ولا يتعاطى ما لا يليق بها لخبر مسلم‏:‏ إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن أبي هريرة‏)‏ وزاد مسلم فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة قال ابن حجر له طرق كثيرة وألفاظ متقاربة‏.‏

472 - ‏(‏إذا أقيمت الصلاة‏)‏ أي شرع المؤذن في الإقامة فأقام المسبب مقام السبب ‏(‏فلا تقوموا‏)‏ للصلاة ندباً ‏(‏حتى تروني‏)‏ تبصروني فإذا رأيتموني فقوموا وذلك لئلا يطول قيامكم وقد يعرض له ما يؤخره وأما خبر مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا فبيان للجواز أو لعذر أو كان قبل النهي ولا ينافي ما اقتضاه هذا من أن الصلاة كانت تقام قبل خروجه ما في مسلم أن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج لأنه كان يراقب خروجه فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا، ووقت القيام للصلاة عند الشافعي الفراغ من الإقامة ومالك أولها والحنفي حي على الصلاة والحنبلي قد قامت الصلاة‏.‏

- ‏(‏حم ق د ن عن أبي قتادة‏)‏ الأنصاري الحارث بن ربعي وقيل النعمان ‏(‏زاد 3 قد خرجت إليكم‏)‏ وهي موضحة للرواية الأولى مبينة للمراد بالرؤية وقال في رواية مسلم قد خرجت‏.‏

‏[‏ص 295‏]‏ 473 - ‏(‏إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء‏)‏ كسماء ما يؤكل عند العشاء والمراد بحضوره وضعه بين يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له ‏(‏فابدؤوا‏)‏ ندباً ‏(‏بالعشاء‏)‏ إن إتسع الوقت فيأكل لقيمات يكسر بها حدة الجوع على وجه لكن الأصح يأكل حاجته وذلك لما في تركه من فوت الخشوع أو كماله وأراد يالصلاة هنا المغرب للصائم بدليل رواية ابن حبان إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وفي رواية للبخاري فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب لكنه يطرد في كل صلاة نظراً للعلة وهو خوف فوت الخشوع وأما خبر أنه كان يحتز من ذراع شاة بسكين ويأكل فأعلمه بلال بالصلاة فطرح السكين فصلى فأجيب بأنه إنما قطع الأكل للصلاة مع كونه أمر غيره بتقديم الأكل لأنه قضى حاجته منه أو لأنه أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة وأمر غيره بالرخصة لأن غيره لا يقوى على مداقعة الشهوة قوته وفيه رد على الظاهرية الزاعمين أنه لا يجوز صلاة من حضر الطعام بين يديه‏.‏

- ‏(‏حم ق ت ن ه عن أنس‏)‏ بن مالك رضي الله عنه ‏(‏ق ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي الله عنهما ‏(‏خ ه عن عائشة‏)‏ أم المؤمنين رضي الله عنها ‏(‏حم طب عن سلمة‏)‏ بفتحات ‏(‏بن الأكوع‏)‏ وقيل عمرو بن الأكوع الأسلمي واسم الأكوع سنان كما مر ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏

رضي الله عنهما قال العراقي وما اشتهر من خبر إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له بهذا اللفظ ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة‏.‏

474 - ‏(‏إذا اكتحل‏)‏ أي أراد ‏(‏أحدكم‏)‏ أي يكتحل افتعل من كحل عينه كنصر جعل فيها الكحل ‏(‏فليكتحل‏)‏ ندباً ‏(‏وتراً‏)‏ أي اكتحالاً وتراً في كل عين وكونه ثلاثاً وليلاً أولى ويحصل أصل السنة بثنتين في كل عين وواحدة بينهما لوروده من فعله في حديث أنس ‏(‏وإذا استجمر‏)‏ أي تجمر بنحو عود أو استنجى والأول أنسب بما قبله ‏(‏فليستجمر وتراً‏)‏ قال بعضهم فيه ندب الاكتحال، وليس كما قال إذ ليس مفاده إلا أن الاكتحال إن وقع فالمطلوب كونه وتراً فالمستفاد منه ندب الوترية لا أصل الاكتحال، نعم ثبت ندب الاكتحال بالأثمد بنصوص أخر قولاً وفعلاً قال بعض شراح أبي داود ولا فرق في حصول السنة بين اكتحاله بنفسه أو بأمره قال وينشأ عنه جواز التوكيل في العبادة وفيه إن قلنا أن المراد بالاستجمار الاستنجاء بالأحجار وجوب الإيتار بثلاث والصارف للأول عن الوجوب خبر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، وجواز العمل بالمفهوم حتى لا يجب الإيتار إذا استنجى بالماء ووجوب تعدد المسحات لضرورة تصحيح الإيتار بما تقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بمسحة واحدة‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي هريرة‏)‏ رمز لصحته‏.‏

475 - ‏(‏إذا كفر الرجل أخاه‏)‏ أي نسبه إلى الكفر بأن قال أنت كافر أو يا كافر أو قال عنه فلان كافر وذكر الرجل وصف طردي ‏(‏فقد باء‏)‏ بالمد أي رجع ‏(‏بها‏)‏ أي بالمعصية المذكورة حكماً يعني رجع ‏(‏أحدهما‏)‏ بمعصية إكفاره على حد ‏{‏وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين‏}‏ فالمراد خصمه لكن تلطف في القول كذا قرره بعض الأعاظم ومنه أخذ جمع قولهم الراجح التكفير لا الكفر وهو أوجه من تأويله بالمستحيل أو بأنه يؤول إليه لكون المعاصي بريد الكفر قال بعضهم والجزم في هذا الخبر بأنه لا بد أن يبوء بها أحدهما بينه قوله في الحديث الآتي إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ومن ثم كانت هذه الرواية في قوة قضية منفصلة أقيم البرهان على صدقها بخلاف تلك إذ معناه كل مكفر أخاه فدائماً إما أن يكفر القائل أو المقول له وبرهن على صدق ذلك بأنه إن كان كما قال وإلا كفر القائل أي بالمعنى المقرر كما يأتي‏.‏

- ‏(‏م عن ابن عمر بن الخطاب‏)‏ رضي الله عنهما‏.‏

‏[‏ص 296‏]‏ 476 - ‏(‏إذا أكل أحدكم طعاماً‏)‏ أي تناول شيئاً لشبعه ومثل الأكل الشرب بدليل خبر الديلمي إذا أكلت طعاماً أو شربت فقل بسم الله وبالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم، لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم ‏(‏فليذكر‏)‏ ندباً عند الشافعية ولو حائضاً أو جنباً ‏(‏اسم الله‏)‏ عليه بأن يقول بسم الله في ابتداء الأكل والأفضل البسملة بكمالها فإن اقتصر على بسم الله حصلت السنة ذكره في الأذكار قال ابن حجر‏:‏ ولم أقف لما ادعاه من الأفضلية على دليل انتهى لكن يدل له خبر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم وقول الغزالي يقول مع اللقمة الأولى بسم الله ويزيد في الثانية الرحمن والثالثة الرحيم لم أر ما يدل له ‏(‏فإن نسي‏)‏ أو تعمد بالأولى ‏(‏أن يذكر اسم الله في أوله فليقل‏)‏ ولو بعد الفراغ من الأكل ليقيء الشيطان ما أكله على ما بحثه بعض مشايخنا لكنه مضعف وأخذ بظاهره جمع حنابلة فأوجبوه قالوا لصحة الخبر بلا معارض ‏(‏بسم الله على‏)‏ وفي رواية في ‏(‏أوله وآخره‏)‏ أي آكل أوله وآخره بسم الله فالجار والمجرور حال من فاعل الفعل المقدر ذكره الطيبي وفي رواية أوله وآخره بدون على وعليه قال أبو البقاء الجيد النصب فيها والتقدير عند أوله وعند آخره ويجوز جره بتقدير في أوله وآخره أي جميع أجزائه كما يشهد له المعنى الذي شرعت التسمية له وبه سقط زعم أن ذكرهما يخرج الوسط لا يقال كيف تصدق الاستعانة ببسم الله في الأول وقد خلا الأول عنها لأنا نقول الشرع جعله إنشاء استعانة في أوله وليس هذا إخباراً حتى يكذب وبه يصير المتكلم مستعيناً في أوله ويترتب عليه ما يترتب على الاستعانة في أوله وألحق الشافعي بالناسي ما لو تعمد أو جهل أو أكره وليس لقائل أن يقول الناسي معذور فمكن من تدارك ما فاته بخلاف المتعمد لأن القصد إضرار الشيطان بمنعه من طعامنا ولو نظر للعذر لمنع الشيطان من مؤاكلة الناسي ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقاً فالملحظ ليس العذر فقط‏.‏

- ‏(‏د ت ك عن عائشة‏)‏ رضي الله عنها قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

477 - ‏(‏إذا أكل أحدكم‏)‏ أي أراد أن يأكل ويحتمل جعله على ظاهره ‏(‏طعاماً‏)‏ غير لبن ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً ‏(‏اللهم بارك لنا فيه‏)‏ من البركة وهي زيادة الخير ودوامه ‏(‏وأبدلنا‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏خيراً‏)‏ اسم تفضيل وأصله أخير فلا يراد أنها ليست على وزن أفعل ‏(‏منه‏)‏ من طعام الجنة أو أعم فيشمل خير الدارين ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم وإن كانت للإثبات ‏(‏وإذا شرب‏)‏ أي تناول ‏(‏لبنا‏)‏ ولو غير حليب وعبر بالشرب لأنه الغالب ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً ‏(‏اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه‏)‏ ولا يقل خيراً منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه ‏(‏فإنه ليس بشيء يجزئ‏)‏ بضم أوله أي يكفي يقال جزأت الإبل بالرطب عن الماء اكتفت ‏(‏من الطعام والشراب إلا اللبن‏)‏ يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معاً شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطاً في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيباً طبيعياً من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره وهو أفضل من العسل على ما عليه السبكي وألف فيه لكن عكس بعضهم وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة وقضية الحديث أيضاً أن اللبن أفضل من اللحم ويعارضه الخبر الآتي أفضل طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم‏.‏